فَهِيَ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ الْجَارِيَةُ عَلَى الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فأحكامها قد تقدمت، ولم يبق إلا نظر المجتهد إلى أي دليل (تستند) (?) خاصة، وإما غَيْرَ (مُحْتَاجٍ) (?) إِلَيْهَا، فَهِيَ الْبِدَعُ الْمُحْدَثَاتُ، إِذْ لَوْ كَانَتْ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا لَمَا سَكَتَ عَنْهَا فِي الشَّرْعِ، لَكِنَّهَا مَسْكُوتٌ عَنْهَا بِالْفَرْضِ وَلَا دَلِيلَ/ عَلَيْهَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَيْسَتْ بِمُحْتَاجٍ إِلَيْهَا، فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ (قَدْ كَمُلَ الدِّينُ) (?) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُمْ لَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ قَطُّ إِيرَادُ ذَلِكَ السُّؤَالِ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: لِمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ؟ وَعَلَى حُكْمِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عليَّ حَرَامٌ؟ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجِدُوا فِيهِ عَنِ الشَّارِعِ نَصًّا، بَلْ قَالُوا فِيهَا وَحَكَمُوا بالاجتهاد/ واعتبروا (فيها) (?) بِمَعَانٍ شَرْعِيَّةٍ تَرْجِعُ فِي التَّحْصِيلِ إِلَى الْكِتَابِ/ والسنة، وإن لم يكن (ذلك) (?) بِالنَّصِّ فَإِنَّهُ بِالْمَعْنَى، فَقَدْ ظَهَرَ إِذًا/ وَجْهُ كمال الدين على أتم الوجوه.
(ثم ننتقل) (?) مِنْهُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أنزل القرآن مبرءاً عَنِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّضَادِّ، لِيَحْصُلَ فِيهِ كَمَالُ التَّدَبُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا *} (?)، فَدَلَّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَهُوَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيُعَضِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
فأما جهة اللفظ فإن الفصاحة فيه (متوازرة) (?) / مُطَّرِدَةٌ، بِخِلَافِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّكَ تَرَاهُ إِلَى الِاخْتِلَافِ مَا هُوَ، فَيَأْتِي بِالْفَصْلِ مِنَ الْكَلَامِ الجزل