فَكَانَ ذَلِكَ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ إِنْ كَتَبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لَمْ يَضِلُّوا بَعْدَهُ الْبَتَّةَ، فَتَخْرُجُ الْأُمَّةُ عَنْ مقتضى قوله: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} بِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ: {إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمَهُ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ، كَمَا اخْتَلَفَ غَيْرُهُمْ، رَضِيَنَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيُمِيتَنَا عَلَى ذَلِكَ بِفَضْلِهِ.

(وَقَدْ ذَهَبَ) (?) جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُخْتَلِفِينَ فِي الْآيَةِ أَهْلُ الْبِدَعِ، وَأَنَّ مَنْ رَحِمَ ربك أهل السنة، ولكن لهذا (الاختلاف) (?) أَصْلٌ يَرْجِعُ إِلَى سَابِقِ الْقَدَرِ/ لَا مُطْلَقًا، بَلْ مَعَ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ مُحْتَمِلُ الْعِبَارَةِ لِلتَّأْوِيلِ، وهذا مما لَا بُدَّ مِنْ/ بَسْطِهِ.

فَاعْلَمُوا أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي بَعْضِ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ/ لَا يَقَعُ فِي (العادة) (?) الْجَارِيَةِ بَيْنَ المتبحِّرين فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ، الْخَائِضِينَ فِي لُجَّتِهَا الْعُظْمَى، (الْعَالِمَيْنِ) (?) (بِمَوَارِدِهَا وَمَصَادِرِهَا) (?).

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَعَامَّةُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ اخْتِلَافُهُمْ فِي القسم المفروغ منه آنفاً، بل كل خلاف عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ قَدْ تَجْتَمِعُ وَقَدْ تَفْتَرِقُ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ أَوْ يُعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الدِّينِ ـ وَلَمْ يَبْلُغْ/ تِلْكَ (الدَّرَجَةَ) (?) ـ فَيَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَعُدُّ رَأْيَهُ رَأْيًا وَخِلَافُهُ خِلَافًا، وَلَكِنْ تَارَةً يَكُونُ ذَلِكَ فِي جُزْئِيٍّ وَفَرْعٍ مِنَ الفروع، وتارة (يكون) (?) / في كلي وأصل مِنْ أُصُولِ الدِّينِ ـ كَانَ مِنَ الْأُصُولِ الِاعْتِقَادِيَّةِ أو من الأصول العملية ـ فتراه آخذاً ببعض جزئيات الشريعة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015