حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ أَنْ يُرَدَّ إِلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ رَدُّهُ إِلَى كِتَابِهِ، وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ رَدُّهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ حَيًّا، وَإِلَى سُنَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
إِلَّا أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَلْ هُمْ دَاخِلُونَ تحت قوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (?) أَمْ لَا؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ مُقْتَضَاهَا أَهْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ أَنَّ أَهْلَ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِينَ مُبَايِنُونَ لِأَهْلِ الرَّحْمَةِ لِقَوْلِهِ: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ/ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (?) فإنها اقتضت قسمين: أهل الاختلاف ومرحومين، فَظَاهِرُ التَّقْسِيمِ أَنَّ أَهْلَ الرَّحْمَةِ لَيْسُوا مَنْ أَهْلِ الِاخْتِلَافِ، وَإِلَّا كَانَ قَسْمُ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قال فيها: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ وَصْفَ الِاخْتِلَافِ لَازِمٌ لَهُمْ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ لَفْظُ اسْمِ الْفَاعِلِ الْمُشْعِرِ بالثبوت، وأهل الرحمة مبرؤون مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ/ وَصْفَ الرَّحْمَةِ يُنَافِي الثُّبُوتَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ، بَلْ إِنْ خَالَفَ أَحَدُهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ/ فَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِيهَا تَحَرِّيًا لِقَصْدِ الشَّارِعِ فِيهَا، حَتَّى إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ فِيهَا رَاجَعَ نَفْسَهُ وَتَلَافَى أَمْرَهُ، فَخِلَافُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالْعَرْضِ لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَكُنْ وَصْفُ الاختلاف لازماً (له) (?) وَلَا ثَابِتًا، فَكَانَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَقْتَضِي الْعِلَاجَ وَالِانْقِطَاعَ أَلْيَقَ فِي الْمَوْضِعِ.
//وَالثَّالِثُ: أَنَا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَاقِعٌ مِمَّنْ حَصَلَ لَهُ مَحْضُ الرَّحْمَةِ/ وَهُمُ الصحابة رضي الله عنهم، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ إِدْخَالُهُمْ فِي قِسْمِ الْمُخْتَلِفِينَ بِوَجْهٍ،