فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا سَبَبُهُ؟ وَلَهُ سَبَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا كَسْبَ للعباد فِيهِ، وَهُوَ الرَّاجِعُ إِلَى سَابِقِ الْقَدَرِ.
وَالْآخَرُ: هُوَ الْكَسْبِيُّ؛ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْكَلَامِ/ عَلَيْهِ فِي هذا الباب، إلا (أنا) (?) نَجْعَلَ السَّبَبَ الْأَوَّلَ مُقَدِّمَةً، فَإِنَّ فِيهَا مَعْنًى أصيلاً يجب (التنبه) (?) لَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ التَّفَقُّهَ فِي الْبِدَعِ، فَنَقُولُ ـ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ـ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (?)، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ أَبَدًا، مَعَ أَنَّهُ (لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُتَّفِقِينَ لكان (قادراً) (?) على ذلك، لَكِنْ سَبَقَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ أَنَّهُ) (?) إِنَّمَا خَلَقَهُمْ لِلِاخْتِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي الآية وأن قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} مَعْنَاهُ: وَلِلِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: خَلَقَهُمْ لِيَكُونُوا فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقًا فِي السَّعِيرِ (?). وَنَحْوَهُ عَنِ الْحَسَنِ (?).
فَالضَّمِيرُ فِي خَلَقَهُمْ عَائِدٌ عَلَى النَّاسِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ إِلَّا مَا سَبَقَ (في) (?) العلم، وليس المراد ها هنا الِاخْتِلَافُ فِي الصُّوَرِ، كالحَسَنِ (وَالْقَبِيحِ) (?)، وَالطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَلَا فِي الْأَلْوَانِ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَلَا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالتَّامِّ الْخَلْقِ (وَالنَّاقِصِ الْخَلْقِ) (?)، وَالْأَعْمَى والبصير، والأصم