فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى مَا احْتَجُّوا بِهِ أَوَّلًا، فَأَمَّا مَنْ حَدَّ الِاسْتِحْسَانَ بِأَنَّهُ: مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ، وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِرَأْيِهِ. فَكَانَ هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَقْلَ يُجَوِّز أَنْ يَرِدَ الشَّرْعَ بِذَلِكَ، بَلْ يُجَوِّز أَنْ يَرِدَ بِأَنَّ مَا سَبَقَ إِلَى أَوْهَامِ الْعَوَامِّ ـ مَثَلًا ـ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَيَلْزَمُهُمُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِثْلُ (هَذَا) (?)، وَلَمْ (يُعْرَفِ) (?) التَّعَبُّدُ بِهِ، لَا بِضَرُورَةٍ، وَلَا بِنَظَرٍ، وَلَا بِدَلِيلٍ مِنَ الشَّرْعِ قَاطِعٍ وَلَا مَظْنُونٍ، فَلَا يَجُوزُ (إِسْنَادُهُ لِحُكْمِ اللَّهِ) (?) لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ تَشْرِيعٍ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَصَرُوا نَظَرَهُمْ فِي الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا نُصُوصَ فِيهَا فِي الِاسْتِنْبَاطِ، وَالرَّدِّ إِلَى مَا فَهِمُوهُ مِنَ الْأُصُولِ الثابتة، ولم يقل أحد منهم (قط) (?): إِنِّي حَكَمْتُ فِي هَذَا بِكَذَا/ لِأَنَّ طَبْعِي مَالَ إِلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ مَحَبَّتِي/ وَرِضَائِي. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَاشْتَدَّ عَلَيْهِ النَّكِيرُ، وَقِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنْ تَحْكُمَ عَلَى عباد اللَّهِ بِمَحْضِ مَيْلِ النَّفْسِ وَهَوَى الْقَلْبِ؟ هَذَا مَقْطُوعٌ بِبُطْلَانِهِ.
بَلْ كَانُوا يَتَنَاظَرُونَ وَيَعْتَرِضُ بَعْضُهُمْ (?) عَلَى مَأْخَذِ بَعْضِ، (وَيَنْحَصِرُونَ إِلَى) (?) ضَوَابِطِ الشَّرْعِ.