وما علي العبد إلا أن يعبده سبحانه حق العبادة، وأن يعتصم به وحده في سائر أحواله في السراء والضراء، فهو سبحانه ناصر الضعيف ومفزع كل ملهوف، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه، سبحانه [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] (يس 82).

ما بين طرفة عين وانتباهها ... يغير الله من حال إلي حال

ومن تأمل كتاب الله جل وعلا يرى آيات عديدة كلها فيها الأمر للعبد أن يفوض أمره إليه، فالله جل جلاله حسبه؛ قال تعالى [أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (?)] وقال تعالى: [قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ (?)] وقال تعالى-[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] (?) وقال تعالى: [الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (?)] وقال تعالى: [أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ] (?) فهذه آيات فيها بيان من الله جل وعلا أن العبد لا منجاة إلا بالاعتصام به وحده؛

قال وهب بن منبه: قرأت في الكتاب الأول: إن الله يقول: (بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السماوات ومن فيهن والأرض بمن فيها فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلي نفسه (?) وقد اشتملت هذه الرسالة علي فصول وذلك علي النحو التالي.

الفصل الأول: وفيه المطالب التالية:

المطلب الأول: الاعتصام لغة واصطلاحا

المطلب الثاني: أنواع الاعتصام ?

المطب الثالث: حقيقة الاعتصام بالله?

المطلب الرابع: من هوا لله عز وجل الذي نعتصم به?

الفصل الثاني: الاعتصام بالله عند الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-