بهذا الايمان الواسع والتعليم النبوي المتقن وبهذه التربية الحكيمة الدقيقة وبشخصيته الفذة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذى لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانسانية المحتضرة حياة جديدة فأوجد فيها - بإذن الله - الايمان والعقيدة وبعث فيها روحا جديدة وأثار من دفاتها وأشعل مواهبها، ثم وضع كل واحد منهم في محله فكأنما خلق له. وكأنما كان المكان شاغرا لم يزل ينتظره، فما لبث العالم أن رأى منهم نوابغ كانوا من عجائب الدهر وسوانح التاريخ. فأصبح عمر الذى كان يرعى الابل لأبيه الخطاب وينتهره، وكان من أوسط قريش جلادة وصرامة اذا به يفجأ العالم بعبقريته وعصاميته، ويدحر كسرى وقيصر عن عروشهما ويؤسس دولة اسلاميه تجمع بين تفوقها في الادارة وحسن النظام فضلا عن التقوى والورع والعدل الذى لا يزال فيه المثل السائر.

وهذا ابن الوليد كان أحد فرسان قريش إذا به يلمع سيفا الهيا في الاسلام لا يقوم له شيء الا حصده وينزل كصاعقة على الروم ويترك ذكرا خالدا في التاريخ وهذا أبو عبيدة كان موصوفا بالصلاح والأمانة والرفق اذا به يتولى القيادة العليا للمسلمين ويطرد هرقل من ربوع الشام ومروجها الخضراء ويلقى عليها نظرة الوداع ويقول: (سلام على سريا سلاما لا لقاء بعده) الى غير ذلك من الأفذاذ الذين تلقوا معلوماتهم وتكوينهم في مدرسة الايمان، ولا زالت هذه المدرسة تخرج لنا من العباقرة والشخصيات العظيمة البارزة في كل ميدان من ميادين الحياة الى الآن والى الغد ان شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015