قال القرطبيُّ- رحمه الله- عند كلامه على قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]: وهو أن يدعوَ بما ليس في الكتاب والسُّنَّة فيتخيَّر ألفاظاً مفقَّرةً وكلمات مسجوعةً قد وجدها في كراريس لا أصلَ لها ولا معوَّل عليها فيجعلها شعارَه ويترك ما دعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وكلُّ هذا يمنع من استجابة الدُّعاء (?).
وإنَّه لمن الحزن أن يتعدَّى في الدُّعاء بمثل هذه الأدعية المسجوعة المخترَعة؛ خصوصاً في الأوقات والأزمان الفاضلة في ليالي رمضان؛ فيفوِّت الدَّاعي على نفسه وعلى الناس إذا كان إماماً الإجابةَ في مثل هذه الفرص العظيمة، وقد يُشكل ما ورد في بعض الأدعية عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من السَّجع؛ لذا قال ابنُ حجر في إيضاح هذا المشكل أنَّ ذلك كان يَصدر من غير قصد إليه؛ ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب ...) (?). وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده» (?). وكقوله: «أعوذ بك من عين لا تدمع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع». وكلُّها صحيحةٌ؛ قال الغزاليُّ: (المكروهُ من السَّجع هو التَّكَلُّفُ؛ لأنَّه لا يلائم الضَّراعةَ والذِّلَّةَ؛ وإلَّا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنَّها غيرُ متكلِّفة. ا. هـ (?).