السَّابِقُ مُقَيَّدًا بِزَمَانٍ مَخْصُوصٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. فَإِنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ أَدَاءُ النَّوَافِلِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا مُؤَقَّتٌ، فَلَا يَكُونُ نَهْيُهُ عَنْ هَذِهِ النَّوَافِلِ فِي الْوَقْتِ الْمُخَصَّصِ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ يَمْنَعُ النَّسْخَ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ النَّاسِخُ مُتَرَاخِيًا عَنِ الْمَنْسُوخِ، فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَا يَعْدُو أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا.

فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى نَسْخًا، إِذْ مِنْ شَرْطِ النَّسْخِ التَّرَاخِي، وَقَدْ فُقِدَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ.

وَإِنْ كَانَ صَدْرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ لُبْسِ الْخِفَافِ وَعَجُزُهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، وَهُمَا حُكْمَانِ مُتَنَافِيَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا؛ لِانْعِدَامِ التَّرَاخِي فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ يُسَمَّى بَيَانًا.

وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا نَظَرْتَ: هَلْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ، إِذْ لَا عِبْرَةَ بِالِانْفِصَالِ الزَّمَانِيِّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ فِي التَّنَافِي، وَمَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَعَمَّ لِلْفَائِدَةِ كَانَ أَوْلَى صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنِ النَّقْصِ.

وَلِأَنَّ فِي ادِّعَاءِ النَّسْخِ إِخْرَاجَ الْحَدِيثِ عَنِ الْمَعْنَى الْمُفِيدِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: شَرُّ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ.

وَهُمَا حَدِيثَانِ قَدْ تَعَارَضَا عَلَى مَا تَرَى. وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى غَيْرِ الْفَقِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِمَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ مِنْ ظَاهِرِ الْمُنَافَاةِ، مَعَ حُصُولِ الِانْفِصَالِ فِيهِمَا، وَرُبَّمَا يَرَاهُ بَعْضُ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْإِسْنَادِ فَيَرَى إِسْنَادَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَمْثَلَ فَيَحْكُمُ بِنَسْخِ الثَّانِي، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ؛ لِفُقْدَانِ شَرَائِطِ النَّسْخِ، لَكِنَّ طَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنْ يَجْعَلَ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إِذَا شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ مِنْ غَيْرِ مَسِيسِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ.

وَهَذَا التَّفْسِيرُ ظَاهِرٌ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِي يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ.

وَيُحْمَلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015