الْوَقْتَيْنِ مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَرَأَوْا أَنَّ الْإِقَامَةَ فُرَادَى، وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَالُوا: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ نَذْكُرُ بَعْضَهَا:
مِنْهَا: أَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ سَنَدًا، وَأَقْوَمَ قَاعِدَةً فِي جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحَاتِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ، وَغَيْرُ مَخْفِيٍّ عَلَى مَنِ الْحَدِيثُ صِنَاعَتُهُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ لَا يُوَازِي حَدِيثَ أَنَسٍ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فِي التَّرْجِيحِ، فَضْلًا عَنِ الْجِهَاتِ كُلِّهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْحُفَّاظِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ؛ بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ بْنِ إِسْحَاقَ أَخْبَرَهُمْ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ بَخُسْرَوْجِرْدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَخْبَرَنِي جَدِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُشْفِعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: أَدْرَكْتُ جَدِّي وَأَبِي وَأَهْلِي يُقِيمُونَ فَيَقُولُونَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". وَنَحْوَ ذَلِكَ حَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْ وَلَدِ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَفِي بَقَاءِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَوَلَدِهِ عَلَى إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ دِلَالَةٌ