عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينَ، وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الْبِيَاتَ وَالْغَارَةَ إِذَا حَلَّا بِإِحْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ بَيَّتَ أَوْ أَغَارَ مِنْ أَنْ يُصِيبَ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ، فَيَسْقُطُ الْمَأْثَمُ فِيهِمْ وَالْكَفَّارَةُ وَالْعَقْلُ وَالْقَوَدُ عَمَّنْ أَصَابَهُمْ، إِذَا أُبِيحَ أَنْ يُبَيِّتَ وَيُغِيرَ وَلَيْسَ لَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ قَتْلَهُمْ عَامِدًا لَهُمْ مُتَمَيِّزِينَ عَارِفًا بِهِمْ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا كُفْرًا فَيَعْمَلُوا بِهِ فَيُقْتَلُوا بِهِ، وَعَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِيهِنَّ لِقِتَالٍ، وَأَنَّهُنَّ وَالْوِلْدَانَ يُتَخَوَّلُونَ فَيَكُونُونَ قُوَّةً لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -.
قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَبِنْ هَذَا بِغَيْرِهِ. قِيلَ: فِيهِ مَا اكْتَفَى الْعَالِمُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قَالَ: أَفَتَجِدُ مَا تَشُدُّهُ بِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) قَالَ: فَأَوْجَبَ اللَّهُ لِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً الدِّيَةَ وَتَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ، وَفِي قَتْلِ ذِي الْمِيثَاقِ الدِّيَةَ وَتَحْرِيرَ رَقَبَةٍ؛ إِذْ كَانَا مَعًا مَمْنُوعَيِ الدَّمِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَهْدِ وَالدَّارِ مَعًا، وَكَانَ الْمُؤْمِنُ فِي الدَّارِ غَيْرِ الْمَمْنُوعَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالْإِيمَانِ، فَجُعِلَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ بِإِتْلَافِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ الدِّيَةَ وَهُوَ مَمْنُوعُ الدَّمِ بِالْإِيمَانِ، فَلَمَّا كَانَ الْوِلْدَانُ وَالنِّسَاءُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَا مَمْنُوعِينَ بِإِيمَانٍ وَلَا دَارٍ؛ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَقْلٌ، وَلَا قَوْدَ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا مَأْثَمَ، وَلَا كَفَّارَةَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مْنْ بَدْرٍ الْأُولَى، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتَّى يَسِيرَ