رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ.
وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُسْتَأْنَى بِالْجِرَاحَاتِ سَنَةً
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ قَوِيَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ:
فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَرَأَوْا أَنْ يَنْتَظِرَ بِالْجُرْحِ إِلَى أَوَانِ الْبُرْءِ؛ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالُوا: لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقَصَاصَ فِي الطَّرَفِ حَالَةَ الْقَطْعِ، وَلَا يَنْتَظِرُ أَوَانَ الْبُرْءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ أَخْبَرَنِيهِ أَبُو الْفَضْلِ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رِجْلِهِ، فَجَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَقِدْنِي. فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ. قَالَ: أَقِدْنِي. قَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ. قَالَ
أَقِدْنِي. فَأَقَادَهُ، ثُمَّ عَرَجَ، فَجَاءَ الْمُسْتَقِيدُ فَقَالَ: حَقِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حَقَّ لَكَ.
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ مِثْلَهُ، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ: فَرَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مُرْسَلًا، وَخَالَفَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، فَرَوَيَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ مَوْصُولًا، وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْطَأَ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَالْمُرْسَلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ، كَذَلِكَ يَقُولُهُ أَصْحَابُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرْ إِلَى أَوَانِ الْبُرْءِ بَلْ أَقَادَهُ فِي الْحَالِ، يُقَالُ عَلَى هَذَا: الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ سَائِغٍ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ