والحديثان اللَّذان احتجَّ بهما أَصحابُ القول الأَوَّل لا يصحَّحان، لأَنَّ ابن أَبي نَجيح هو الرَّاوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عُيينة: لم يسمع ابن أَبي نَجيح التفسيرَ
عن مُجاهد، والآثار كلّها تُبْطِلها.
وإِلى هذا المذهب كان يذهب الكِسَائِيّ، والفرَّاء، وأَبو عبيدة، وأَبو العبَّاس؛ وهو اختيارنا. ولا حجَّة علينا في أَنَّ الرَّاسخين إِذا استؤنفوا وجعل القول خبرهم، لم يكن لهم على غير الرَّاسخين فضل، لأَنَّ فضلهم على هذا التأْويل لا يخفى؛ إِذا كانوا يؤمنون بما تعقِله قلوبهم، وتنطوي عليه ضمائرهم، وغيرُ الرَّاسخين يقلِّدون الرَّاسخين، ويقتدون بهم، ويَجْرُون على مِثْل سبيلهم، والمقتدِي وإِن كان له أَجرٌ وفَضل يتقدمه المقتدَى به، ويَسبِقه إِلى الفَضْلِ والأَجرِ والخير. ولا ينكَر أَنْ يكتفى بالرَّاسخين من غيرهم إذْ كانوا أَرفَعَ شأْناً منهم، فقد فعل الله جلّ وعزّ مثل هذا في قوله: أَلَمْ تَرَى أَنَّ الفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ