فيجوز أن يكون القيامُ سببًا للضرب, ويجوز أن لا يكونَ إلا أن الفاء معناه إتباعُ الثاني الأولَ بلا مهلةٍ, فإذا أرادوا أن يجعلوا الفعل سببًا للثاني جاءوا به في الجزاء وفيما ضارعَ الجزاء, وجميع هذه المواضع يصلح فيها المعنى الذي فيها من الإتباع, ألا ترى أن الشاعر إذا اضطر فعطف على الفعل الواجب الذي على غير شرطٍ بالفاءِ, وكان الأول سببًا للثاني نصب, كما قال:

سَأَتْرُكُ مَنْزِلي لِبَني تَمِيمٍ ... وألْحَقَ بالحِجَازِ فأَسْتَرِيحَا1

جعل لحاقَهُ بالحجاز سببًا لاستراحته, فتقديرهُ لما نصب كأنه قال: يكونُ لحاقٌ فاستراحةٌ, وقد جاء مثله في الشعر أبياتٌ لقوم فصحاءَ، إلاّ أنهُ قبيحٌ أن تنصب وتعطف على الواجبِ الذي على غير شِعْرٍ, وأَلحق بالحجاز فإذا لحقتَ استرحتَ وإنْ أَلحقْ أسترح, ومع ذلك فإن الإِيجاب على غير الشرط أصلُ الكلامِ, وإزالةُ اللفظ عن جهتهِ في الفروعِ أحسنُ منها في الأَصولِ لأنها أَدَلُّ على المعاني2، ألا ترى أنهم جازوا بحرف الاستفهامِ, والاستفهام, وإنما جازوا بالأخبارِ لأفعالِ المستفهمِ عنها, فقالَ: أَينَ بيتُكَ؟ يُرادُ به أعلمني, والعطفُ بالفاء مضارعٌ للجزاءِ لأنَّ الأولَ سببٌ للثاني وهو مخالف له من قبل عقدَهُ عَقدَ جملةٍ واحدةٍ, ألا ترى أنهم مثلوا: ما تأتينا فتحدثَنا في بعض وجوهها, بما يأتينا محدثنا، فإن قلت: لا تعصِ فتدخل النار فالنهي هُو النفي، كما عرفتُكَ فصارَ بمنزلةِ قولك: ما تعصي فتدخلُ النارَ، فقد نفيتَ العصيانَ الذي يتبعُه دخولُ النارِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015