الفعل وكان دالا على مصدره بمنزلة الآية, وهي: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم قال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وذلك لو قالَ قائلٌ: ما يصنع زيدٌ؟ فقلت: يأكلُ أو يصلي، لأغناك عن أن تقول: الأكلُ، والصلاةُ
ألا ترى أنَّ الفعل إنَّما مفعوله اللازم له إنما هو مصدرهُ؛ لأن قولك: قد قامَ زيدٌ بمنزلة قولك: قد كان منه قيامٌ. فأما الذين نصبوا فلمْ يأبوا الرفعَ، ولكنهم أجازوا معه النصب؛ لأن المعنى "بأنْ" وقَد أبانَ ذلك بقوله فيما بعده, "وأنْ أَشهد" فجعله بمنزلة الأسماء التي يجيءُ بعضها محذوفًا للدليل عليه وفي كتاب الله عز وجل: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 1 قال2: والقولُ عندنا أنَّ "مَنْ" مشتملةٌ على الجميعِ؛ لأنها تقعُ للجميعِ على لفظها للواحد.
وقد ذهب هؤلاء إلى أن المعنى: ومَنْ في الأرضِ، وليسَ القولُ عندي كما قالوا3. وقالوا في بيت حسان بن ثابت:
فَمَنْ يَهْجُو رَسُول الله مِنْكُمْ ... ويَمْدَحهُ ويَنْصُره سَوَاءُ4
إنما المعنى: ومن يمدحهُ وينصرهُ، وليس الأمر عند أهلِ النظر كذلك، ولكنه جعل "مَنْ" نكرةً، وجعل الفعلَ وصفًا لها, ثم أقام في الثانية الوصف مقامَ الموصوف فكأنه قال: وواحدٌ يمدحهُ وينصرهُ؛ لأن الوصف يقعُ موضع