القاضي فسمع مقالتهم وأبى أن يحكم بينهما لغيبة صاحب الفسطاط فدفعه البصري إلى الكوفي فهو على الجواب الأول. وإن غصبه الكوفي غصباً فجاء به إلى الكوفة فعلى الكوفي حصته من الأجر ذاهباً وجائياً، وعلى البصري أجره ذاهباً، وليس عليه في الرجعة أجر، ولا ضمان على الكوفي في حصة نفسه. فأما حصة البصري فإنه يضمن؛ لأنه غاصب فى ذلك. ولو ارتفعا إلى الحاكم بمكة وأقاما البينة على قصتهما وحلف البصري على ما يريد من الرجعة إلى البصرة فإن عمل القاضي في ذلك بشيء مما وصفت لك فهو جائز. وإن ترك ذلك فلم ينظر فيما بينهما فهو موسع عليه في ذلك؛ لأن رب الفسطاط غائب.
وإذا تكارى الرجل فسطاطاً من الكوفة إلى مكة ذاهباً وجائياً ثم خرج إلى مكة ثم خلفه بمكة ورجع فعليه الكراء ذاهباً، وهو ضامن لقيمة الفسطاط يوم خلفه. فإن ضمنه القيمة كان الفسطاط له. ولو لم يضمنه ولم يختصما حتى حج من قابل ورجع بالفسطاط فلا أجر عليه في الرجعة، وإنما الأجر عليه في البدأة (?) في هذا، وسقط عنه الأجر في الرجعة؛ لأنه لم يستأجره إلا في العام الماضي، وقد خالف وضمن.
وكل مستأجر فسطاط أو ثوب أو متاع أو حيوان أو عقار بذهب أو فضة، ففسد حتى لا ينتفع به أو غصبه سلطان أو غيره، فلا أجر على المستأجر منذ يوم كان ذلك، وعليه الأجر فيما مضى قبل ذلك. والقول فيه قول المستأجر إذا اختصما يوم يختصمان، وهو على مثل ما وصفنا من الهلاك والفساد والغصب مع يمينه بالله على ذلك. فإن قامت لرب المتاع بيِّنة أنه قد استعمله بأكثر مما قال المستأجر أخذت ببيِّنته، ولا أقبل بيِّنة المستأجر على خلاف ذلك؛ لأن القول قول المستأجر في ذلك، والبيِّنة على رب المتاع.
قلت: أرأيت رجلاً تكارى دابتين من رجلين صفقة واحدة بعشرة