وواضع الأسئلة في كتاب الأصل هو الإمام محمد نفسه، وهو المجيب كذلك. فقد كانت هذه طريقة في تأليف الكتب. حتى أنها لا تزال متبعة إلى الآن في بعض الأحيان. وقد كان بشر بن الوليد الكندي القاضي (ت. 238) من تلاميذ أبي يوسف يلوم محمد بن الحسن، وكان الحسن بن أبي مالك (ت. 204) من تلاميذ أبي يوسف أيضاً ينهاه عن ذلك ويقول له: "قد وضع محمد هذه المسائل، فضع أنت سؤال مسألة، وقد أغناك الله عن جوابها" (?). فيتبين من هذه العبارة أن واضع الأسئلة والأجوبة هو محمد نفسه. وروي عن هشام بن عبيدالله الرازي أنه قال: "لما سمعنا كتب محمد بن الحسن بالرَّقَّة قلنا: قولك: "أرأيت" إلى من ينسب، وسؤالك عن من؟ قال: إنما هو سواد في بياض، إن شئتم فخذوه، وإن شئتم فدعوه" (?). فهذا الجواب من الإمام محمد يدل على أن واضع الأسئلة هو نفسه، وليس هناك سؤال حقيقي موجَّه مثلاً إلى أحد من الأئمة أبي حنيفة أو أبي يوسف أو محمد بن الحسن، وإنما هو أسلوب في تأليف الكتاب. هذا هو الأعم الأغلب، لكن هناك مواضع يفهم من السياق أن السؤال فيها حقيقي وموجه إلى أبي حنيفة أو أبي يوسف. فمثلاً عندما يقول: "سألت أبا حنيفة"، أو "سألت أبا يوسف"، فمن الواضح أن هذا سؤال حقيقي موجه إلى شخص حقيقي. وهذا قليل في الكتاب إذا قيس بالأسلوب الآخر الذي يستمر السؤال والجواب فيه على شكل: قلت، قال.
وينبغي أن نذكر هنا أن الأستاذ المرحوم محمد حميد الله ظن أنه توجد نسخ مختلفة من كتاب الأصل في مكتبات إسطنبول، وأن بعض هذه النسخ مؤلفة على طريقة السؤال والجواب وبعضها ليس كذلك. فقد ظن الأستاذ محمد حميد الله أن نسخة مكتبة السليمانية، جار الله، رقم 575، 576 مجلدان من كتاب الأصل برواية مغايرة للروايات الأخرى لكتاب