حتى منعوا النسخ ولله در العلامة ابن عاصم فى قوله:
والنسخ جائز لدينا عقلا.... وواقع شرعا وآت نقلا
وانما انكره اليهود.... وقولهم بشرع مردود
وليس لازما به ما الزموا ... من البدء بئسما زعموا
اذا البدء رفع حكم يقع ... لم يسبق العلم بان سيرفع
وسمى ابو مسلم الاصفهانى من المتعزلة النسخ تخصيصا ; لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ فِي الْأَزْمَانِ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَشْخَاصِ فقيل هو خلاف منه فى وقوع النسخ وليس خلافا محققا بل هو لفظى عائد الى اللفظ والتسمية لموافقته على ماورود ما يرفع الحكم بعد انتفاء غاية له وانما سماه بغير اسمه المشهور فلم يخالف فى وقوع النسخ قال الجلال السيوطى: فصح انه لم يخالف فيه احد من المسلمين قال وهذا معنى قولى وقائل التخصيص لا ينازع أي وهو قوله فى النظم:
النَّسْخُ عنْدَ المسلمينَ واقعُ ... وقائلُ التَّخْصِيصِ لا يُنازِعُ
ونقل المحقق البنانى عن شيخ الاسلام ان حاصل النزاع فى هذه المسالة بيننا وبين ابى مسلم ان ابامسلم المغيا فى علم الله كالمغيا فى اللفظ وسمى الكل تخصيصا فسوي بين قوله تعالى {واتمو الصيام الى الليل} وبين صوموا مطلقا مع علمه تعالى بانه سينزل لا تصوموا ليلا والجمهور يسمون الاول تخصيصا والثانى نسخا فاتضح الفرق المشار اليه بقول العلامة ابن عاصم:
وحاصل من جملة النصوص ... الفرق بين النسخ والتخصيص
(وَالْمُخْتَارُ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ وان كل شرعى يقبل النسخ ومنع الغزالى نسخ جميع التكاليف والمعتزلة نسخ وجوب المعرفة والاجماع على عدم الوقوع) أي والمختار وهو ماعليه الجمهور انه اذا نسخ حكم الاصل لا يبقي معه حكم الفرع بل يرتفع لانه تابع فيزول بزوال متبوعه لانتفاء العلة التى ثبت بها بانتفاء حكم الاصل مثاله ان يرد النص بحرمة الربا فى القمح فيقاس عليه الارز بجامع الاقتيات والادخار مثلا ثم يرد نص بعد ذلك بجواز الربا فى القمح فيرفع حينئذ حكم الفرع من المنع فيصير جائزا كالاصل فلذا قال ناظم السعود:
ويجب الرفع لحكم الفرع ... ان حكم اصله يري ذا رفع
كما قال الناظم:
وصحََّحُوا انتفاءَ حكمِ الفرْعِ. بنسخ اصله
وقالت الحنفية يبقى لان القياس مظهر له لا مثبت بل هو ثابت بنفسه والمختار ان كل شرعى يقبل النسخ فيجوز عقلا نسخ كل الاحكام وبعضها أي بعض كان ومنع الغزالى والمعتزلة نسخ جميع التكليف لتوقف العلم بذلك لوقع على معرفة الناسخ والمنسوخ وهى من التكاليف ولا يتاتى نسخها قال الجلال المحلى: قُلْنَا مُسَلَّمٌ ذَلِكَ لَكِنْ بِحُصُولِهَا يَنْتَهِي التَّكْلِيفُ بِهَا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَكْلِيفٌ وَهُوَ الْقَصْدُ بِنَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى اه. ومنعت المعتزلة نسخ وجوب معرفة الله لانها عندهم حسنة لذاتها لا تتغير بتغيير الزمان فلا يقبل حكمها النسخ واجيب بابطال الحسن الذاتى والاجماع على عدم وقوع ماذكر من نسخ جميع التكاليف ووجوب المعرفة وعبر ناظم السعود عن ذا الاجماع بالاتفاق فى قوله:
وكل حكم قابل له وفي....نفي الوقوع الاتفاق قد قُفي
فجملة قد قفى خبر الاتفاق أي اجماع مقفوا أي متبع واشار الناظم الى ماذكره المصنف بقوله:
وكلُّ شَرْعِي
يقْبَلُهُ ومَنَعَ الغَزَالِي ... كلَّ التَّكاليفِ وذُو اعْتِزَالِ
معرفةَ اللهِ وكلٌّ أجْمَعَا ... بأنَّه ُفي ذَا وذِي مَا وقَعَا
(وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ