وأما في الصوم رجعنا إلى أصل ما نعقله.

ودل عليه: سائر الأصول الموصلة والقواعد المقننة، وهم عدلوا في الحج عن قانون أصولهم حتى جوزوه بمطلق النية مع سعة الوقت للفرض وغيره، وكونه في هذا المعنى كوقت الصلاة سواء، ثم تفريقهم بينه وبين الصلاة في هذه المواضع وهو إذا أطلق النية فليقبلوا منا مثل ذلك وليرضوا به.

وإن ألحوا في طلب المعنى فيجوز أن يقال: إنه كان بنوع نظر من الشرع لهذا العبد الذي ترك النظر لنفسه ولم يعين الفرض بنيته، وكان اختصاص الحج بالنظر فيه من الشارع لعظمه في نفسه واحتياجه إلى تحمل المؤنات والمشقات العظيمة، وأنه قل ما يتفق في العمر إلا مرة واحدة فلو لم يصرف نيته إلى الفرض نظراً من الله تعالى فربما لم يصل إلى فعله من بعد فضاع أصلاً، وهذا لا يوجد في غيره من العبادات.

وأما طريقة أبي زيد فقد وضعها في مطلق النية، وقد بينا أن النية المطلقة ونية النفل واحداً لا تختلف، فصار إذا أطلق النية كأنه نوى النفل، ثم يقال لهم ما اعتمدوه، وهو أن هذا الصوم متعين في هذا الوقت، وهذا مسلم، ولكن لابد من أدائه وآداؤه بالنية، فإذا لم ينوه فلم يؤده.

وقولهم: ((إنه يصير مصيباً إياه باسم الجنس كما يصيبه باسم العين مثل ما استشهدوا به من الشخص القاعد في الدار)).

قلنا: ليس في الوقت شيء موجود حتى يصيبه باسم الجنس كما يصيبه باسم العين مثل ما قلتم في الشخص القاعد في الدار، وإنما الصوم في العدم وقد أمر بإيجاده فإنما يوجد بما يوجده، وهو ما قصد إلا إيجاد النفل فلا يوجد الفرض بنيته أنه قصد هذا الصوم من حيث أنه صوم فحسب، لا من حيث أنه فرض فلا يصيب الفرض واعتبر قصده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015