وإن التفتنا إلى المعنى بعد أن لا حاجة إليه، فهو أيضاً يؤيد ما قلنا. وذلك لأن الأصل الموصل في الشرع أن الواجب في كل جنس من جنسه، لأن الواجب جزء من النصاب، لأن الزكاة واجبة للمواساة مع الفقراء بجزء من النصاب على مال نام، والجزء من الشيء جنسه، وهم يعترفون بهذا الأصل فلا يحتاج إلى كثير دليل، إلا أنه عدل عن هذا الأصل عند قلة الإبل لأنها لا تحتمل المواساة من جنسها، فإذا كثرت احتملت فعدنا إلى الأصل.
فإن قالوا: ((لم لا ينتظر إلى أن تبلغ حداً يحتمل الوجوب من جنسه مثل البقر))؟
قلنا: لأن الخمس من الإبل مال كثير القيمة كثير المنفعة قليل المؤونة فلم يستجز الشرع إخلاء مثل هذا عن حق الفقراء، وعلى أن هذا الذي قالوا اعتراض على الشرع، وعلينا أن نتلقى الشرع بالقبول ثم نطلب له معنى يخرج ذلك الشرع عليه، وقد فعلنا.
وأما البقر .. فقد كان غالب أموال العرب الإبل، وقد كانت الزكاة طهرة لمالهم فلم يرض بإخلائه عن الواجب بعد أن يبلغ الحد الذي قلناه من كثرة المنفعة والقيمة وقلة المؤنة، وأما البقر فقد كان قليلاً فيهم، فإبقاؤها على الأصل المعهود وهو ترك الإيجاب حتى يحتمل الواجب من جنسه هذا في الأغنام. وأما سقوط بنت مخاض فهو يخرج على أصل آخر:
وذلك لأن ما بعد المائة والعشرين حال تقرير النصب والواجبات وما قبل المائة والعشرين قد كان حال اضطرابها واختلافها، فمن الواجب أن يكون الاستقرار على النمط الأعدل، والنمط الأعدل في الأوقاص طرح