ذكره الذّهبيّ «في التّجريد» ، مستدركا على من قبله، فقال: عيسى ابن مريم رسول اللَّه، رأى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء، وسلم عليه، فهو نبيّ وصحابيّ، وهو آخر من يموت من الصحابة، وألغزه القاضي تاج الدين السبكي في قصيدته في آخر القواعد له، فقال:
من باتّفاق جميع الخلق أفضل من ... خير الصّحاب أبي بكر ومن عمر
ومن عليّ ومن عثمان وهو فتى ... من أمّة المصطفى المختار من مضر
وأنكر مغلطاي على من ذكر خالد بن سنان في الصحابة كأبي موسى، وقال: إن كان ذكره لكونه ذكر النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فكان ينبغي له أن يذكر عيسى وغيره من الأنبياء، أو من ذكره هو من الأنبياء غيرهم. ومن المعلوم أنهم لا يذكرون في الصحابة. انتهى.
ويتّجه ذكر عيسى خاصة لأمور اقتضت ذلك.
أولها- أنه رفع حيّا، وهو على أحد القولين.
الثاني- أنه اجتمع بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ببيت المقدس على قول، ولا يكفي اجتماعه به في السماء لأن حكمه من حكم الظاهر.
الثالث- أنه ينزل إلى الأرض، كما سيأتي بيانه بيانه، فيقتل الدجال، ويحكم بشريعة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فبهذه الثلاث يدخل في تعريف الصحابي، وهو الّذي عوّل عليه الذهبي.
وقد رأيت أن أذكر له ترجمة مختصرة: ساق ابن إسحاق في كتاب المبتدإ نسب مريم إلى داود عليه السلام، فكان بينها وبينه ستة وعشرون أبا، وكانت أمّ مريم لا تحمل، فرأت طيرا يزق فرخا، فاشتهت الولد، فاتفق أن حملت، فنذرت إن تمّ حملها، ووضعت، أن تجعل حملها خادما لبيت المقدس، وكانوا يفعلون ذلك، الربيع بن أنس عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف 172] ، قال:
جمعهم، فجعلهم أرواحا. ثم صوّرهم، ثم استنطقهم، فتكلموا، فأخذ عليهم العهد والميثاق أن لا إله غيره، وأنّ روح عيسى كانت في تلك الأرواح، فأرسل إلى مريم ذلك الروح، فسئل مقاتل بن حيان: أين دخل ذلك الروح؟ فذكره عن أبي العالية، عن أبيّ أنه دخل من فيها. أخرجه أبو جعفر الفريابي في كتاب القدر، وعبد اللَّه بن أحمد في زيادات كتاب الزّهد، وسنده قوي.
وثبت في الصحيحين من طريق الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما من وليد (?) إلّا ويمسّه الشّيطان حين يولد فيستهلّ صارخا إلّا مريم وابنها» .