وَلَا يَزَالُ الْخَمَّارُ فِي جِوَارِهِ حتى ينفذ مَا عِنْدَهُ، فَشَرِبَ قَيْسٌ ذَاتَ يَوْمٍ فَسكِرَ سُكْرًا قَبِيحًا فَجَذَبَ ابْنَتَهُ وَتَنَاوَلَ ثَوْبَهَا، وَرَأَى الْقَمَرَ فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَنْهَبَ مَالَهُ وَمَالَ الْخَمَّارِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ وَهُوَ يَضْرِبُهُ.

مِنْ تَاجِرٍ فَاجِرٍ جَاءَ الْإِلَهُ بِهِ ... كَأَنَّ لِحْيَتَهُ أَذْنَابُ أَجْمَالِ

جَاءَ الْخَبِيثُ بِبَيْسَانِيَّةٍ تَرَكَتْ ... صَحْبِي وَأَهْلِي بِلَا عَقْلٍ وَلَا مَالِ

فَلَمَّا صَحَا خَبَّرَتْهُ ابْنَتُهُ بِمَا صَنَعَ وَمَا قَالَ فَآلَى لَا يَذُوقُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَقَالَ:

رأيت الحمر صَالِحَةً وَفِيهَا ... خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الْحَلِيمَا

فَلَا وَاللَّهِ أَشْرَبُهَا صَحِيحًا ... ولا أُشْفَى بِهَا أَبَدًا سَقِيمَا

وَلَا أعطي بها ثمنا حياتي ... ولا أَدْعُو لَهَا أَبَدًا نَدِيمَا

وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ حَرَّمَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ: لَا أَشْرَبُ شَرَابًا يَذْهَبُ بِعَقْلِي وَيُضْحِكُ بِي مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنِّي وَأُزَوِّجُ كَرِيمَتِي مَنْ لَا أُرِيدُ. فَبَيْنَمَا هُوَ بِالْعَوَالِي إِذْ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ وَتَلَا عَلَيْهِ الْآيَةَ فِي الْمَائِدَةِ فَقَالَ: تَبًّا لَهَا لَقَدْ كَانَ بصري فيها نافذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015