بذلك كان المقبوض رهناً بجميع المائة، وحكي عن أبي حنيفة أن المقبوض يكون رهناً بقدر ما بقي من مقابلته من الدين. فدليلنا أنه مالٌ محبوسٌ بحقٍ فوجب أن يكون محبوساً بكل حقٍ منه، أصله إذا مات وخلف تركة وعليه دينٌ فإن جميع التركة محبوسةٌ على الدين؛ ولأنها وثيقةٌ بحقٍ فوجب أن تكون وثيقةٌ به وبكل جزءٍ منه؛ ولأن تعلق الرهن بالحق كتعلق الحق بالرهن، وقد ثبت أن الرهن يتعلق بجملة الحق وبكل جزءٍ منه، وكذلك يجب أن يكون تعلق الحق به؛ ولأنه لو كان يتقسط على أجزاء الحق لوجب مثله فيمن رهن جاريةً حاملاً.
[960] مسألة: إذا رهن عبداً له ثم أعتقه فإن كان موسراً نفذ عتقه وعجل الحق للمرتهن أو رهنه غيره، وإن كان معسراً لم ينفذ وبقي رهناً، فإن أفاد مالاً قبل الأجل نفذ العتق، وإن بقي على إعساره بيع عند الأجل، وقال أبو حنيفة ينفذ عتقه موسراً كان أو معسراً وللشافعي قولان: أحدهما: مثل قول أبي حنيفة والآخر: أن العتق لا ينفذ موسراً كان أو معسراً. فدليلنا على أبي حنيفة في أنه لا ينفذ عتقه مع الإعسار. قوله عز وجل: {أوفوا بالعقود}؛ ولأنه معنًى يبطل به حق الوثيقة من الرهن فلم ينفذ مع الإعسار بغير رضا المرتهن كالبيع، وإن شئت جعلت حكم العلة أن الراهن لا يملك عتقه، كما لا يملك بيعه، فقلت فجاز أن يزول ملك الراهن عنه بلزوم الرهن كالبيع؛ ولأن الراهن محجورٌ عليه في الرهن بحق المرتهن بدليل أنه لا يجوز تصرفه فيه ببيعٍ ولا هبةٍ فلم يجز إعتاقه كالمفلس؛ ولأن العتق لو نفذ لم يخل الحق أن يتعلق بذمة الراهن فقط أو إلى السعايه والسعاية باطلةٌ على أصلنا، وتعلقه بذمته بغير رهن إلزامٍ له أن يسقط حقه من الوثيقة. وذلك غير جائزٍ، فلم يبق إلا ما قلناه. ودليلنا على الشافعي: أنه إذا أعتقه وهو موسرٌ لم يؤد إلا بطلان