محلًا للطلاق، وتبعه الغزالي ولكنهما مع ذلك لم يصرحا به، وكلامهما في الخلافيات وغيرها من كتبهما صريح في أنهما لا يحتجان إلى مسألة "أنا منك طالق" إلى تقرير كون الزوج معقودًا عليه؛ بل يصلح الغرض بدون ذلك بأسلوبين قررهما الإمام وأسلوب ثالث اقتصر عليه الغزالي في التحصين.
وأنا أقول: لا يخفي أن من يجعل الزوج معقودًا عليه ينكر كونه محلًا للطلاق وأما من لا يجعله ففيه نظر احتمال إذ لا يلزم من كونه غير معقود عليه أن لا يكون محلًا للطلاق فمن أين يصح للرافعي إنكار كون الزوج محلًا للنكاح وهي مسألة شهيرة معروفة بالخلاف بيننا وبين الحنفية إذا عرفت ذلك فتقرير سؤالهم أنكم اشترطتم النية على الأصح بنيتين -نية أصل الطلاق ونية وقوع الطلاق عليها- ولو كان الرجل محلًا للطلاق لوقوع الاستغناء عن النيتين.
ويزيد من يحيط بفروع المذهب على هذا أن يقول: بل كان ينبغي أن يقع الطلاق وإن جرد القصد إلى تطليق نفسه ولم يقتصر على أصل الطلاق، وقد قال الإمام: "الوجه عندي أنه لا يقع".
وهذا السؤال أخذه الرافعي ورضيه ورد به على من يجعل الزوج معقودًا عليه كما رأيت -وقد أجابهم الإمام أبو المظفر السمعاني في "الاصطلام"؛ فقال: "إنما احتيج إلى أصل النية لأن لفظ الطلاق محتمل أن يراد به الطلاق عن نكاح أو وثاق، بخلاف أنت طالق فإن هذا الاحتمال وإن تطرق إليه إلا أن العرف يدرؤه ويعين احتمال الفراق عن النكاح ولا اعرف فيه "أنا منك طالق" فرجعنا إلى أصل حقيقة المعنى فوجدناه محتملًا، فاعتبرنا فيه النية كما اعتبروها في "أنا منك بائن".
وهذا جواب صحيح، وفي كلام الإمام إشارة إليه فإنه قال في النهاية: شبه مشبهون هذا بما إذا قال لأمراته أنا منك طالق من حيث أن اللفظ جرى على صيغة مستبشعة حائدة عن جهة العرف في الاستعمال "انتهى".
وأنا أزيد هذا الجواب إيضاحًا: فأقول: لفظ طالق وإن كان صريحًا إلا أن الصريح إذا انضم إلى ما يخرجه عن صراحته بطل حكمه ألا ترى أنه لو ضم إلى قوله "أنت طالق طلاقًا من وثاق" لم يكن صريحًا وقوله: أنا منك طالق لفظ ضم إليه ما يستشنع فأخرجه عن الصراحة، فإن الرجل لا يخرج عن المرأة إلا على تأويل؛ وإنما