ويظهر أثر الفرق في التصرفين من العموم والخصوص فالتصرفات بالفتيا شرع عام أبد الآبدين ودهر الداهرين، وبالسلطنة قد يختص في كل زمان بحسب المصالح1؛ فإذا قال صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعل فعلًا ظهر من أي التصرفين هو فلا إشكال وإن لم يظهر فالأغلب عند علمائنا لا يحمل على التصرف بالفتيا، وعند الحنفية بالعكس.
وفيه مسائل: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا ميتًا فهي له" قال الشافعي رضي الله عنه "هذا تصرف بالفتيا فلا يتوقف الإحياء على إذن الإمام.
وقال أبو حنيفة: "بالسلطنة فلا يحيى أحد بدون إذن إمام الوقت" فنحن نجري الموات مجرى سائر المباحات بإذن إمام الأئمة عليه أفضل الصلاة والسلام، وهم يجرونها مجرى مال بيت المال والغنيمة والفيء؛ ففي كل زمان يجتهد إمام الوقت فيما يراه أصلح ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت أبي عتبة: خذي لك ولودك ما يكفيك بالمعروف.
قال الشافعي [رضي الله عنه] 2 هذا تصرف بالفتيا فمن تعذر عليه أخذ حقه من غريمه فظفر بجنس حقه أو بغير جنسه إذا لم يظفر بالجنس، وقيل مطلقًا جاز له استيفاء حقه منه.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه".
قال الشافعي رضي الله عنه: "السلب للقاتل مطلقًا" وقال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 3: لا يكون له حتى يشترط له بأن يقول الإمام في الغزاة: من قتل قتيلًا فله سلبه.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم" يحتمل قوله: "هي لكم" أن يكون ذلك تصرفًا منه صلى الله عليه وسلم بالملك، فملك الموات بمشارق الأرض ومغاربها ثم ملكها لأمته هذا ما أشار إليه الجوري من أصحابنا.
ويحتمل أن يكون تصرفًا منه صلى الله عليه وسلم [بالفتيا] 4 فشرع لنا الموات ويكون مالك الموات ملكه ملكًا ابتداء، وبدل لذلك قول من قال من أصحابنا: إن الموات ما لم يجر عليه ملك: