وأما أهل الشرع فالسبب والعلة يشتركان عندهم في ترتيب السبب والمعلول عليهما، ويفترقان من وجهين.
أحدهما:
أن السبب ما يصلح الشيء عنده. لا به والعلة ما يحصل به.
وأنشد ابن السمعاني في كتاب القواطع على ذلك قول الشاعر1:
ألم تر أن الشيء للشيء علة ... يكون به كالنار تقدح بالزند
ولكنه اختار في تعريف السبب أنه ما يوصل إلى المسبب مع جواز المفارقة بينهما.
قال: وقيل إنه مقدمة يعقبها مقصود لا يوجد إلا بتقدمها ولا أثر لها فيه ولا في تحصيله، [قال] 1: وهذا كالحبل سبب إلى [الوصول] 2 إلى الماء ثم الوصول بقوة النازح لا بالحبل، وكذلك الطريق سبب إلى الوصول إلى المكان المقصود ثم الوصول بقوة الماشي لا بالطريق. وحل القيد سبب لفرار المقيد، والفرار بقوته لا بالحبل.
قال: ويمكن الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 3 فجعل ضرب القتيل بلحم بعض البقرة سبب الحياة؛ فلا أثر لذلك في الحياة، وكذلك ضرب موسى البحر بالعصا. فدل هذا على أن السبب هو الموصل مع جواز المفارقة.
وأطال ابن السمعاني في تعريف السبب والعلة والشرط وعقد لذلك بابًا مستقلًا.
والثاني، بأن المعلول يتأثر عن علته بلا واسطة بينهما والشرط يتوقف الحكم على وجوده، والسبب إنما يفضي إلى الحكم بواسطة أو وسائط.
ولذلك يتراخى الحكم عنها حتى تؤخذ الشرائط وتنتفي الموانع.
وأما العلة فلا يتراخى الحكم عنها. إذا لا شرط لها، بل متى وجدت أوجبت معلولها بالاتفاق حكى الاتفاق أمام الحرمين والآمدي4 وغيرهما، ووجهوه بدلائل كثيرة.