قال القاضي: ومذهب مَالِكٍ أن الحق واحد من أقاويل المجتهدين، وذلك أنه قال لما سُئِلَ عن اختلاف أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لَيْسَ في سعة خطأ أو صواب، وكذلك قال الليثُ لما سئل عن ذلك.
وقال مالك: قولان مختلفان لا يكونان جميعًا حقًّا، وما الحق إلا واحد، وأجمع مَالِك، وسائر الفقهاء أنَّ الأثر في الخطأ في مسائل الاجتهاد موضوع والدليل على ذلك قول النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا اجتهَدَ الحَاكم وأَصَابَ فَلَهُ أْجرَانَ، وإنْ أخْطَأَ فَلَهُ أجْر" (?) وهذا نصٌّ على أن مسائل الاجتهاد ما هو خطأ، فدلّ على أن الحَقَّ في واحد، لا في جميعها، وجعل له الأجر، وإن أخطأ على اجتهاده، ودفع عنه إثم خطئه.
وهناك أيضًا إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لأنهم اختلفوا في مسائل الاجتهاد، وردَّ بعضهم على بعض، ودعا بعضهم بعضًا إلى المُبَاهَلَة، وأنكر بعضهم على بعض بأغلظ نكيرٍ، وسوّغ بعضهم لبعض الرد على صاحبه، ولم يقتل بعضهم لبعض: الحق معي ومعك، فلو كان كل واحد منهم مُصِيبًا لم يكن لاخْتِلافِهِم معنى، فدل على ما قلناه، وباللَّه التوفيق.
ليس يختلف مالِكُ -رحمه اللَّه- وسائر الفُقَهاء في أنَّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (?).
وإنما الخلاف هل يجوز أن يتأخر عن وقت النزول إلى وقت الحاجة؟ وليس عن مَالِكٍ فيه نص قول، ولا لأصحابه المتقدمين.
وكان القاضي أَبُو بكْرٍ يقول: إن البيان يجوز أن يتأخَّر عن وقت ورود الخطاب إلى وقت الحاجة، ويذكر أنَّ مَالكًا قد أشار إلى ذلك، حيث قال وقد ذكر قول