يقع التنازع، وارتفع الخلاف، ولم يحتج إلى تدبر ولا اعتمال ولا تفكر، ولبَطَل الابتِلاءَ، ولم يحضر الامتحان، ولا كان للشُّبهة مدخل ولا وَقَعَ شك ولا حسبان ولا ظن، ولا وجد ذُهُول؛ لأن العلم وإن يكون طبعًا، وهذا قياس، فبطل أن تكون العلوم كلها جليَّة، ولو كانت كلها خفيَّة لم يُتَوَصَّل إلى معرفة شيء منها, إذ الخفي لا يعلم بنفسه؛ لأنه لو عُلِم بنفسه لكان جليًّا، وهذا فاسد، أيضًا، فبطل أن تكون كلها خفيَّةَ، وقد قال اللَّه عَزَّ وجَلَّ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: الآية 7] إلى قوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: الآية 7].
وقال عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: الآية 83].
وإذا بطل أن يكون العلم كله جليًّا، وبطل أن يكون كله خفيًّا، ثبت أن منه جليًّا ومنه خفيًّا، وباللَّه التوفيق.
وجوب النظر والاستدلال هو مذهب مَالِكٍ -رحمه اللَّه تعالى- لأنه قد يستدلّ في المسائل بأدلة متعددة، وتقدّم أن في الدلائل خفيًّا وجليًّا، فلا بد من النظر؛ لأن