الغضاضة ليست من الدين في شيء؛ بل هذا التلكؤ على التحقيق قصور خفي في التسليم لكامل تصرفات الشارع؛ فإن الذي نهانا عن أصول العقود الفاسدة هو الذي شرع لنا التسامح في يسيرها مراعاة للمصلحة الراجحة؛ كمصالح المسلمين العامة التي تمس شريان اقتصادهم، ولا يجوز للفقيه أن يتحكم في نصوص الوحي ما يؤخذ منها وما يهجر، كما لا يجوز له أن يفتي بوجوب التورع عن معاملات فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن ذلك يتضمن معنى الاستعلاء على هديه - صلى الله عليه وسلم - وازدراء سيرته الشريفة؛ بل الواجب على الفقيه المؤمن أن يسلم بكامل أحكام وتصرفات الشارع حظرا وإباحة؛ فإن تبعيض الأحكام الشرعية من شيم أحبار اليهود التي نهى الله فقهاء المسلمين عن سلوكها، كما قال تعالى عنهم في سورة البقرة: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ...} الآية [85].

والجواب عنه:

بأن ما ذكرته من أصول شرعية ليس فيها جميعا ما يدل على التسامح بالربا مطلقا، بل وتحميل لها بما لا تحتمله، وإسقاط للتهم على المتمسك بالأصول الجارية على مقتضى القواعد الموافق لهديه - صلى الله عليه وسلم - وليس المستعلي عليه.

وقد يكون لا أقول الاستعلاء؛ بل ربما محاولة تطويع النصوص لما لا تحتمله مجاراة للواقع.

ومن ثم فعدم مطاوعة النفس ووجد الغضاضة التي ذكرتها هي أبعد ما يكون عمن سبر النصوص كلها ومشى على وفقها وحمل كلام الأئمة بعضه على بعض، ونقله كله واستدل به وَبَيَّنَ عدم تناقضه؛ خلافا لمن ينقل ما يرى أنه يوافقه، ويترك البعض الآخر، كما في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد يكون ذلك لعدم اطلاعه عليه؛ فإن هذا هو الظن بالمسلم.

* * * * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015