فإذا عرفتم هذا فاعلموا أن القدم والبقاء اللذين وصف المتكلمون بهما الله جل وعلا زاعمين أنه وصف بهما نفسه في قوله هو الأول والآخر قد وصف بهما المخلوق والقدم في الإصطلاح عندهم عبارة عن سلب العدم السابق إلا أن عندهم أخص من الأزل لأن الأزل عبارة عمّا لا افتتاح له سواءً كان وجودياً كذات الله وصفاته أو عدمياً كإعدام ما سوى الله لأن العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له فهو أزلي ولا يقال فيه قديم والقدم عندهم عبارة عمّا لا أول له بشرط أن يكون وجودياً كذات الله متصفة بصفات الكمال والجلال ونحن الآن نتكلم على ما وصفوا به الله جل وعلا من القدم والبقاء وإن كان بعض العلماء كره وصفه جل وعلا بالقدم كما يأتي. فالله جل وعلا وصف بعض المخلوقين بالقدم قال: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ، {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} ، {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} ووصف بعضهم بالبقاء قال: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} ، {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} ولا شك أن ما وصفوا به الله من هذه الصفات مخالف لما وصف به الخلق نحو ما تقدم.

أما الله جل وعلا فلم يصف في كتابه نفسه بالقدم وبعض السلف كره وصفه بالقدم لأنه قد يطلق مع سبق العدم نحو {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ، {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} ، {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} وقد جاء فيه حديث بعض العلماء يقول هو يدل على وصفه بهذا وبعضهم يقول لم يثبت وقد ذكر الحاكم في المستدرك في بعض الروايات القديم في أسمائه تعالى وفي حديث دخول المسجد: " أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" أمّا الأولية والآخرية التي نص الله عليهما في قوله: {هو الأولُ والآخِرُ} فقد وصف بعض المخلوقين أيضاً بالأولية والآخرية قال: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} ولا شك أن ما وصف الله به نفسه من ذلك لائق بجلاله {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ} (النور: من الآية32) وكماله كما أن للمخلوقين أولية وآخرية مناسبة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.

ووصف نفسه بأنه واحد قال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} ووصف بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015