الاسلوب (صفحة 171)

فكان من ذلك، ولأسباب أخرى، أن نشطت حركة النقد، وانتصر جماعة لكل فريق، واختلف الباحثون حول هذه المسألة: أين تقع البلاغة؟ أفي اللفظ أم في المعنى أم فيهما معًا؟ وأي هذين الفريقين من الشعراء أظفر بعمود الشعر، وأجدر بالاحترام؟ وخلاصة ما يحتج به أنصار اللفظ1 أن المعاني معروفة للناس سهلة الإدراك، يكفي أن تكون صحيحة، ولكن البراعة البيانية إنما هي في الألفاظ وصوغ العبارات، وأما أنصار المعاني فيقولون2: إن المعنى هو المقصود بالأداء، وهو مجال الابتكار، وحسن التصور، واللفظ تابعه في ذلك فجماله من جماله، ويدور جهد عبد القاهر الجرجاني على أن البلاغة في الأسلوب تنتهي إلى نظم الكلام وفق حاجة المعنى، وبذلك تتحقق المطابقة بينهما، ويكتسب اللفظ حسنه بصدق أدائه.

ولكنك عرفت أن هذه المسألة قد فصل فيها الآن، وأن البلاغة تقوم على حسن التعبير كما ترتكز على قيمة التفكير3.

4- وعلى الرغم من ذلك فقد وجد من الأدباء من يؤثر اللفظ على المعنى، فيجعله غايته ومتجه عنايته، ويقصد إليه؛ فأما أن يجعله -في الشعر- فخمًا مجلجلًا؛ لا يتناسب مع معناه كابن هانئ الأندلسي حيث يقول:

أصاخت فقالت: وقع أجرد شيظم

وشامت فقالت: لمع أبيض مخذم4

طور بواسطة نورين ميديا © 2015