أن ننشئ الطرق ونعدها للإنجليز، وأن ننشئ السكك الحديدية وننفق عليها لصالح الإنجليز وأن ننشئ الموانئ ونوسعها لتأوي إليها مراكب الإنجليز، وأن نمد الخطوط التليفونية والتلغرافية لخدمة الإنجليز، وبالرغم من ذلك كله تدخل مصر إلى حاجات الجيوش الإنجليزية، وحاجات حلفائهم من عتاد حربي وطعام ولباس فلا تستفيد مصر منها مِلِّيمًا وَاحِدًا لأنها معفاة من الرسوم الجمركية، ويستعمل الإنجليز السكك الحديدية المصرية في نقل عتادهم وطعامهم وجنودهم استعمالاً يزيد عن طاقتها حتى تستهلك خطوطها وقاطراتها وعرباتها، ويستعملون كذلك خطوط التلغراف والتليفون حتى يدركها العطب، وبعد هذا كله يماطلون في دفع الأجر التافه الضئيل الذي يجود به الاستعمار الشحيح البخيل على هذا البلد الذليل، ويحبسونه عنا متعللين بأوهى الحجج وأسقم المعاذير.
والقوانين المصرية تسمح للأجانب المثقفين الأغنياء أن يعاملوا بالربا المصريين الجهلاء الفقراء، فَتُحَوَّلُ أملاك المصريين وجهودهم ثروات في يد الأجانب، ويبوء المصريون بالفقر وَالدَّيْنِ وَالذُلِّ، وما كان يمكن أن يكون غير هذا ما دام أحد الفريقين قَوِيًّا بماله وعلمه، وثانيهما ضعيفًا بفقره وجهله، ولقد ترتب على هذا أن صارت مصر كعبة لشذاذ الآفاق والمغامرين والمرابين من الأجانب، وأن أصبحت كل ثرواتها تقريبًا في أيديهم، وأصبح الأجانب ممسكين بخيوط الحياة الاقتصادية في هذا البلد، فالبنوك والشركات للأجانب،