وقد لا يحتاج إلى التدوين في جهات وأزمان معينة إذا أمن جانب صيانة حقوق عامة المسلمين وترجحت مراعاتها، فليس المهم في النظام الإسلامي النظر إلى الشكل ولكن المهم هو المضمون، وهو وجود قواعد دستورية راسخة وصريحة متمشية مع حكم الله، تضمن للحاكم والمحكوم حقوقهما على حد سواء، وليس ضروريا بعد ذلك أن تكون هذه القواعد مدونة في وثيقة تسمى الدستور أو تكون غير مدونة.
ثم إن الدستور بمعناه الخاص في الدولة الإسلامية قد يكون ثابتا أو مرنا حسب ظروف كل دولة، وما يستقر الرأي الدستوري فيها عليه من أمر بهذا الخصوص، ولا علاقة بين تدوين الدستور وثباته، فقد يكون الدستور مدونا ومرنا، وقد يكون ثابتا وهو غير مدون، والعكس كذلك، وهذا الثبات الذي أشير إليه هنا متعلق بالدستور بمعناه الفني أو القانوني، وبالتأكيد فإن الثبات هنا هو ثبات نسبي.
وفي حالة تدوين دستور معين لدولة إسلامية، يجب النص على أن الحكم لله وحده، وأن السيادة المطلقة لله {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] (?) .
وإن التشريع الملزم هو من عند الله {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] (?) .
كما أنه لا يفضل وضع نص قرآني ضمن مواد الدستور؛ لأن مواد الدستور من طبيعتها التغير، وليس ذلك من طبيعة نصوص القرآن؛ ولأن النصوص القرآنية فوق النصوص الدستورية وبالتالي فإن وضعها مادة في الدستور إنقاص من شأنها، وإنما يستخلص الحكم الدستوري من الآية، ويذكر أن ذلك استنادا إلى الآية كذا، ومثال ذلك عندما يراد أن ينص على أن الشورى أساس من أسس الحكم، لا توضع آية: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]