لأن من بيده خزائن السماوات والأرض لا يُضيع مُلْتجئًا إليه مطيعًا له: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق / 2 - 3]، وبين ذلك -أيضًا- بقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة / 28].
فقد بيَّن تعالى في سورة الحشر أن سببها عدم العقل بقوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر / 14]، ثم بين السبب بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر / 14]، ودواء ضعف العقل هو إنارته باتباع نور الوحي؛ لأن الوحي يُرْشدُ إلى المصالح التي تقصُرُ عنها العقول، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيتًا فَأَحْيَينَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام / 122]، فبين في هذه الآية أن نور الإيمان يحيا به من كان ميتًا، ويضيء له الطريق التي يمشي فيها. وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة / 257]، وقال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَويًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك / 22]. إلى غير ذلك من الآيات.
وبالجملة فالمصالح البشرية التي بها نظام الدنيا راجعة إلى ثلاثة أنواع.
الأول: دَرْءُ المفاسد، المعروف عند أهل الأصول بالضروريات، وحاصله دفع الضرر عن الستة التي ذكرنا قبل، أعني: الدين والنفس، والعقل، والنسب، والعِرْضُ والمال.