لهم لِمَا عَلِمَ من إخلاصهم، ولذلك لما ضرب الكُفَّارُ على المسلمين في غزوة الأحزاب ذلك الحصارَ العسكريَّ العظيمَ المذكور في قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)} [الأحزاب / 10 - 11]، كان علاج هذا الضعف والحصار العسكري الإخلاص لله وقوَّة الإيمان به، قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)} [الأحزاب / 22].
فكان من نتائج ذلك الإخلاص ما ذكره الله بقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال وَكَانَ اللَّهُ قَويًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب / 25 - 27].
وهذا الذي نصرهم الله به ما كانوا يظنونه، وهو الملائكة والريح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب / 9] الآية.
ولأجل هذا كان من الأدلة على صحة دين الإسلام أن الطائفة القليلة الضعيفة المتمسكة به تغلبُ الكثيرة القويَّة الكافرة: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة / 249]، ولذلك سمى تعالى يوم بدر: آية، وبيِّنة، وفُرْقانًا؛ لدلالته على