والأحكام التي جاء بها الإسلام على نوعين: أحكام يراد بها إقامة الدين، وهذه تشمل أحكام العقائد والعبادات، وأحكام يراد بها تنظيم الدولة والجماعة، وتنظيم علاقات الأفراد والجماعات بعضهم ببعض، وهذه تشمل أحكام المعاملات، والعقوبات، والأحوال الشخصية، والدستورية، والدولية، ... إلخ، فالإسلام يمزج بين الدين والدنيا، وبين المسجد والدولة، فهو دين ودولة وعبادة وقيادة، وكما أن الدين جزء من الإسلام فالحكومة جزؤه الثاني، بل هي الجزء الأهم، وصدق عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حيث قال: «إِنَّ اللهَ لَيَزَعُ بِالسُلْطَانِ مَا لاَ يَزَعُ بِالقُرْآنِ».
وأحكام الإسلام على تنوعها وتعددها أنزلت بقصد إسعاد الناس في الدنيا والآخرة، ومن ثم كان لكل عمل دنيوي وجه أخروي، فالفعل التعبدي، أو المدني، أو الجنائي أو الدستوري، أو الدولي له أثره المترتب عليه في الدنيا من أداء الواجب، أو إفادة الحل والملك، أو إنشاء الحق أو زواله، أو توقيع العقوبة، أو ترتيب المسؤولية، ولكن هذا الفعل الذي يترتب عليه أثره في الدنيا له أثر آخر مترتب عليه في الآخرة، هو المثوبة أو العقوبة الأخروية.
ويبنى على كون الشريعة مقصودا بها إسعاد الناس في الدنيا والآخرة أن تعتبر وحدة لا تقبل التجزئة، أو جملة لا تقبل