فالجماعة إذن هي التي تخلق القانون، وتصنعه على الوجه الذي يسد حاجتها، وهو تابع لها، وتقدمه مرتبط بتقدمها.
وقد بدأ القانون يتكون كما يقول علماء القانون مع تَكَوُّنِ الأسرة في العصور الأولى، ثم تطور بِتَكَوُّنِ القبيلة، ثم تطور بِتَكَوُّنِ الدولة، ثم بدأ المرحلة الأخيرة من التطور في أعقاب القرن الثامن عشر، على هدى النظريات الفلسفية والاجتماعية، فتطور القانون الوضعي من ذلك الوقت حتى الآن تطورًا عظيمًا، وأصبح قائمًا على نظريات ومبادئ، لم يكن لها وجود في العصور السابقة.
ونستطيع بعد أن استعرضنا نشأة الشريعة، ونشأة القانون أن نقول بحق: إن الشريعة لا تماثل القانون، وإن طبيعة الشريعة تختلف تمام الاختلاف عن طبيعة القانون لما جاءت على الشكل الذي جاءت به، وعلى الوصف الذي أسلفنا، ولوجب أن تأتي شريعة أولية، تأخذ طريق القانون في التطور مع الجماعة، وما كان يمكن أن تأتي بالنظريات الحديثة التي لم تعرفها القوانين إلا أخيرًا بل ما كان يمكن أن تصل إلى مثل هذه إلا بعد أن تعرفها القوانين وبعد مرور آلاف السنين.