التحكيم بين على، ومعاوية، وكانت النهاية؛ أن أطاحت الفتنة ركنا آخر من أركان الإسلام، وهو الخليفة الرابع، وأضحت الأمة الإسلامية في فرقة واختلاف، ودب إليها داء الأمم قبلها، وتمخضت الفتنة عن شيعة1 ينتصرون لسيدنا علي، وعثمانية ينتصرون لسيدنا عثمان، وخوارج2 يعادون الشيعة وغيرهم، ومروانية ينتصرون لمعاوية وبني أمية، وقد استباح بعض هؤلاء لأنفسهم أن يؤيدوا أهواءهم ومذاهبهم بما يقويها، وليس ذلك إلا في الحديث بأنواعه من أحكام، وتفسير، وسير، وغيرها.
وكان ذلك حوالي سنة أربعين للهجرة، وما زالت حركة الوضع تسير، وتتضخم حتى دخل بسببها على الحديث بلاء غير قليل، وهذا العصر هو ما يعرف بعصر صغار الصحابة وكبار التابعين.
روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه بسنده عن طاوس، قال: "جاء هذا إلى ابن عباس -يعني بشير بن كعب- فجعل يحدثه، فقال له ابن عباس: عد لحديث كذا، وكذا. فعاد له، ثم حدثه فقال له: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له، فقال له: لا أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا، أم أنكرت حديثي كله، وعرفت هذا، فقال له ابن عباس: إن كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن يكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه".
وابن عباس توفي سنة ثمان وستين للهجرة.
وروى بسنده عن مجاهد، قال: "جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدِّث، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن3 لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يابن عباس: ما لي أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله