فسؤاله - صلى الله عليه وسلم - لبريرة واستشارته لعلي وأسامة دليل على حصول الشك فيها، وهو لما خطب ما جزمِ بالبراءة فقال فيما قال: "والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي"، ولو كان جازماً بالبراءة لقال: إنهم كذبوا على أهلي وافتروا، وإن أهلي لبريئة مما قيل ونحو ذلك، ونفي العلم ليس علماً بالعدم، لكن هذه العبارة تصلح لدفع المتكلم ونهيه وذمه على قبول القول، كما قال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)} [النور: 15].
والعدل الذي عُرفت عدالته إذا (?) لم يعلم فيه من له به خبرة ما ظنه (?) إلا الخير كان عدلاً عنده، فإذا جرحه جارح لم يعلم صدقه بل ترجح عنده كذبه لم يقدح في عدالته ولم يوجب الجزم ببراءته، قال صاحب هذا القول ولولا نزول براءتها من السماء لدام الشك في أمرها، وإن كان لم يثبت شيء، ففرق بين عدم الثبوت مع حد القاذف وبين البراءة المنزلة من السماء من الله -عز وجل-، ولهذا ذكر غير واحد من العلماء: اتفاق الناس على أن من قذفها بما برأها الله منه فقد كفر (?)؛ لأنه مكذب للقرآن، وأصحاب هذا القول يقولون: النبي - صلى الله عليه وسلم - تردد هل يطلقها أم لا؟ لما حصل الشك؛ لكون امرأة النبي لا تكون بغيًّا، وكان عزمه أن يطلقها -والعياذ بالله- لو كان ما ذكر صحيحاً؛ لكن تأنّى وانتظر أمر الله؛ حتى بيّن الله له الحق، ومن قال هذا يقول: المحفوظات هن اللواتي يبقين عند النبي ولا يطلقهن، وقد يقال (بل كل) (?) من تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -