الوجه الحادي عشر: أن ما كان من هذا الباب لا يجوز فيه نفي الفعل عن العبد، فإنّه مكابرة للحس ولو على مذهب الجبرية، بل إذا أريد نفي فلا بد من قرينة تببين المراد والحديث مطلق ليس فيه قرينة.
الوجه الثّاني عشر: أمّا حديث أبي موسى الأشعري وقوله: "ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم"، لم يُرد به النبي - صلى الله عليه وسلم - كون الله خالق أفعال العباد؛ فإن هذا يتناول هذا الفعل وغيره من الأفعال.
ومعلوم أن الله لم يقل لم أركب ولكن الله ركب، ولم يقل ما جاهدت في سبيل الله ولكن الله جاهد، ولم أسافر (?) ولكن الله سافر، ونحو ذلك.
بل النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لما سألوه أن يحملهم، قال: والله ما أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه، فلما ذهب أبو موسى، بُعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنهب (?) إبل فأمر فبعث إلينا بخمس ذود غُرّ الذرى (?)، فقلنا: تغفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه لا نفلح أبدًا، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: "ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم"، فلما لم يكن منه لا قصد ولا قدرة، صح أن يقول ما حملتكم لأني لم يكن عندي ما أحملكم عليه، ولكن الله حملكم بما يسره من الحمولة الّتي أتى بها بغير فعل مني، فنفى الحمل عن نفسه وأضافه إلى الله، لأنّه أراد به تيسير الحمولة ولم يكن له في هذا فعل، ثمّ قال: "وإني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها، إِلَّا أتيت الّذي هو خير وتحللتها" (?)