الرسل - صلى الله عليه وسلم - كمبايعة فرعون وأمثاله من المشركين، وهذا يقع فيه كثير ممن يلحظ القيومية الشاملة العامة المتناولة لكل مخلوق، وهؤلاء من أكفر الخلق، ويجعلون هذا منافياً للأمر والنهي، وهم من جنس الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} إلى قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (?) [الأنعام: 148].
فإن (?) هؤلاء إنما يتبعون أهواءهم ولا يتكلمون بعلم فإن قولهم في غاية المناقضة، فإن الواحد من هؤلاء إذا آذاه غيره أو ظلمه قابله وعاقبه ولا يمكنه أن يعذره بالقدر ومشاهدة القيومية، كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع.
وجهة تفضيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جهة كون الله -تعالى- أرسله مبلغاً لأمره ونهيه، مبيّناً لما يحبه ويرضاه وما يبغضه ويسخطه، فما أمر به الرسول فالله آمر به، وما نهى عنه فالله نهى عنه، ومن بايعه فعاهده وعاقده (?)؛ على أن يطيعه في الجهاد إذا أمر به، وعلى (?) أن [لا يفر] (?) و (?) على أن يقاتل حتى يموت كما بايعه المسلمون تحت الشجرة (?)، فهم معاهدون لله معاقدون له على طاعته فيما أطاعوا فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الذين بايعوه قبل ذلك ليلة العقبة لما بايعه الأنصار، ولهذا قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: 7]، فسمعهم وطاعتهم لما أمرهم ومعاهدتهم على ذلك هو سمع وطاعة لله -تعالى- ومعاهدة له، وعهد الله إلى خلقه هو (?) أمره ونهيه الذي بلغته رسله.