الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ. (?)
وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال حَسَنَهَا وَسَيِّئَهَا أَمَارَاتٌ وَلَيْسَتْ بِمُوجِبَاتٍ، وَأَنَّ مَصِير الْأُمُور فِي الْعَاقِبَة إِلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاء وَجَرَى بِهِ الْقَدَر فِي الِابْتِدَاء قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَفِيهِ أَنَّ السَّعِيد قَدْ يَشْقَى وَأَنَّ الشَّقِيَّ قَدْ يَسْعَدُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْمَال الظَّاهِرَة وَأَمَّا مَا فِي عِلْم اللَّه - تَعَالَى - فَلَا يَتَغَيَّرُ. وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِبَار بِالْخَاتِمَةِ. قَالَ اِبْنُ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّه بِهِ: هَذِهِ الَّتِي قَطَعَتْ أَعْنَاق الرِّجَال مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ حُسْن الْحَال لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ بِمَاذَا يُخْتَم لَهُمْ. وَفِيهِ أَنَّ عُمُوم مِثْل قَوْله تَعَالَى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُمْ) الْآيَة مَخْصُوص بِمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ السَّعَادَة وَخُتِمَ لَهُ بِالشَّقَاءِ فَهُوَ فِي طُولِ عُمُره عِنْد اللَّه شَقِيٌّ وَبِالْعَكْسِ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُهُ يَؤُولُ إِلَى أَنْ يَؤُولَ إِلَى هَذَا، وَقَدْ اُشْتُهِرَ الْخِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْن الْأَشْعَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَتَمَسَّكَ الْأَشَاعِرَة بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّة بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) وَأَكْثَرَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الِاحْتِجَاجَ لِقَوْلِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ، وَأَنَّ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه لَا يَتَغَيَّر وَلَا يَتَبَدَّل، وَأَنَّ الَّذِي يَجُوز عَلَيْهِ التَّغْيِير وَالتَّبْدِيل مَا يَبْدُو لِلنَّاسِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّق ذَلِكَ بِمَا فِي عِلْم الْحَفَظَةِ وَالْمُوَكَّلِينَ بِالْآدَمِيِّ فَيَقَع فِيهِ الْمَحْو وَالْإِثْبَات كَالزِّيَادَةِ فِي الْعُمُر وَالنَّقْص، وَأَمَّا مَا فِي عِلْم اللَّه فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إِثْبَاتَ وَالْعِلْم عِنْد اللَّه. وَفِيهِ الْحَثُّ الْقَوِيُّ عَلَى الْقَنَاعَة، وَالزَّجْر الشَّدِيد عَنْ الْحِرْص؛ لِأَنَّ الرِّزْق إِذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ تَقْدِيره لَمْ يُغْنِ التَّعَنِّي فِي طَلَبِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاكْتِسَاب؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الْأَسْبَاب الَّتِي اِقْتَضَتْهَا الْحِكْمَة فِي دَارِ الدُّنْيَا. وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال سَبَب دُخُول الْجَنَّة أَوْ النَّار،وَأَمَّا مَا قَالَ عَبْد الْحَقّ فِي " كِتَاب الْعَاقِبَة " إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ لَا يَقَع لِمَنْ اِسْتَقَامَ بَاطِنُهُ وَصَلُحَ ظَاهِرُهُ وَإِنَّمَا يَقَع لِمَنْ فِي طَوِيَّتِهِ فَسَادٌ أَوْ اِرْتِيَابٌ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ لِلْمُصِرِّ عَلَى الْكَبَائِر وَالْمُجْتَرِئِ عَلَى الْعَظَائِمِ فَيَهْجُم عَلَيْهِ الْمَوْت بَغْتَةً فَيَصْطَلِمُهُ الشَّيْطَانُ