الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى، وَلِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (?).
وَإِنْ قَطَعَ الأَْمَل مِنَ الْحَيَاةِ وَكَانَ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ (مُشَاهَدَةُ دَلاَئِل الْمَوْتِ) فَاخْتَلَفُوا فِيهِ:
قَال الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَنُسِبَ إِلَى مَذْهَبِ الأَْشَاعِرَةِ: إِنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ دَلاَئِل الْمَوْتِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (18) سورة النساء.
قَالُوا: إِنَّ الآْيَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ الذُّنُوبَ وَيُؤَخِّرُونَ التَّوْبَةَ إِلَى وَقْتِ الْغَرْغَرَةِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ: {وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} لأَِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إِلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَبَيْنَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ، فَلاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ كَمَا لاَ يُقْبَل إِيمَانُهُ. وَلِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ صُدُورُهَا قَبْل الْغَرْغَرَةِ، وَهِيَ حَالَةُ الْيَأْسِ وَبُلُوغُ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ (?).
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ، بِخِلاَفِ إِيمَانِ الْيَائِسِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَيَبْدَأُ إِيمَانًا وَعِرْفَانًا، وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَال الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَل مِنَ الاِبْتِدَاءِ (?) وَلإِِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى