" وفي إضافة الذين آمنوا إلى اللّه سبحانه وتعالى، وندائهم إليه من ذاته جل وعلا ـ فى هذا احتفاء بهم، واستضافة لهم في رحاب رحمة اللّه وفضله وإحسانه .. وذلك لأنهم مدعوون إلى الهجرة من ديارهم، والانفصال عن أهلهم وإخوانهم، وذلك أمر شاق على النفس، ثقيل الوطأة على المشاعر، التي ارتبطت بالموطن ارتباط العضو بالجسد ..
فكان من لطف اللّه سبحانه بعباده هؤلاء المؤمنين، الذين دعاهم إلى الهجرة من ديارهم ـ أن استضافهم في رحابه، وأنزلهم منازل رحمته وإحسانه، بهذا الدعاء الرحيم، الذي دعاهم به سبحانه، إليه ... «يا عبادى» .. فمن استجاب منهم لهذا النداء، وأقبل على اللّه مهاجرا إليه بدينه، تلقّاه اللّه سبحانه بالفضل والإحسان، وأنزله منزلا خيرا من منزله، وبدّله أهلا خيرا من أهله!.
وقد استجاب المسلمون لهذا النداء، فخرجوا مهاجرين إلى اللّه، أفرادا وجماعات، وكانت الحبشة أول متجه اتجه إليه المسلمون المهاجرون، فأنزلهم اللّه أكرم منزل، هناك .. ثم كانت الهجرة إلى المدينة، التي أصبحت مهاجر المسلمين من كل مكان، بعد أن هاجر الرسول الكريم إليها ..
وهناك وجد المهاجرون إخوانا، شاطروهم دورهم وأموالهم، وآثروهم على أنفسهم بالطيب من كل شىء.
وأكثر من هذا، فإن مجتمع المهاجرين هؤلاء الذين ضمتهم مدينة الرسول، كانوا الوجه الذي تجلى فيه دين اللّه، وعزت به شريعته .. ومن هؤلاء المهاجرين، كان صحابة رسول اللّه، وخلفاء رسول اللّه .. وأكثر من هذا أيضا، فإن القرآن الكريم، قد أجرى ذكرا خالدا لهؤلاء المهاجرين، وأشار إلى منزلتهم العليا عند اللّه، وما أعد لهم من أجر عظيم، وثواب كريم، لم يشاركهم في هذا أحد من المسلمين، إلا الأنصار، الذين نزل المهاجرون ديارهم، ووجدوا ما وجدوا من برهم وإحسانهم ...
وهكذا، استظل المهاجرون بظل هذا النداء الكريم ... «يا عبادى» فكانوا منه في نعمة سابغة، وفضل عظيم، فى الدنيا والآخرة جميعا.