المبحثُ الحادي عشر
تحسين الظن بالله والخوف منه
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (?)
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح الْمُهَذَّب: مَعْنَى تَحْسِين الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنّ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْحَمهُ وَيَرْجُو ذَلِكَ بِتَدَبُّرِ الْآيَات وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَرَم اللَّه تَعَالَى وَعَفْوه وَمَا وَعَدَ بِهِ أَهْل التَّوْحِيد وَمَا سَيُبَدِّلُهُمْ مِنْ الرَّحْمَة يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: " أَنَا عِنْد ظَنّ عَبْدِي بِي " هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الْحَدِيث وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُور الْعُلَمَاء. وَشَذَّ الْخَطَّابِيُّ فَذَكَر تَأْوِيلًا آخَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَحْسِنُوا أَعْمَالكُمْ حَتَّى يَحْسُن ظَنّكُمْ بِرَبِّكُمْ، فَمَنْ حَسُن عَمَله حَسُن ظَنّه، وَمَنْ سَاءَ عَمَله سَاءَ ظَنّه، وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ اِنْتَهَى
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِى الْمَوْتِ فَقَالَ «كَيْفَ تَجِدُكَ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّى أَخَافُ ذُنُوبِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِى قَلْبِ عَبْدٍ فِى مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» أخرجه الترمذي (?)
قَوْله (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْب عَبْد) يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي وُجُود الْأَمْرَيْنِ عَلَى الدَّوَام حَتَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْلِب الرَّجَاء فِي ذَلِكَ الْوَقْت بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْ الْخَوْف شَيْء.