المبحثُ الثالث
الترغيب في الصبر وفضل البلاء
لقد وردت آيات عديدة تحث على الصبر، وتبين أجر الصابرين، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) [البقرة/155 - 157]}
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِأَنَّهُ سَيَبْلُوهُمْ وَيَخْتَبِرُهُمْ بِقَليلٍ (بِشَيءٍ) مِنْ الخَوْفِ والجُوعِ، وَبِذَهَابِ بَعْضِ المَالِ، وَبِمَوتِ بَعْضِ الأَصْحَابِ وَالأَقَارِبِ وَالأَحْبَابِ، وَبِنَقْصِ غِلاَلِ المَزَارِعِ. . . فَمَنْ صَبَرَ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَحُكْمِهِ أَثَابَهُ، وَمَنْ قَنَطَ وَلَجَّ أَحَلَّ بِهِ عِقَابَهُ.
أّمَّا الصَّابِرُونَ الذِينَ خَصَّهُمُ اللهُ بِالبُشْرَى فَهُمُ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنَ اللهِ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ مُصِيبَةٌ صَبَرُوا، وَتَمَسَّكُوا بِقَولِهِمْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ، أَيْ إِنَّهُم عَبيدُ اللهِ وَمُلْكُهُ، وَإِنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِليهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ.
يُثنِي اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّابِرِينَ، وَيُخْبِرُ بَأَنَّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ، وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَ أَثَرَهَا فِي بَرْدِ قُلُوبِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ المُصِيبَةِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ المُهْتَدُونَ إِلى طَريقِ الخَيْرِ، وَإِلى الحَقِّ والصَّوابِ، وَأَنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا لِقَضَاءِ اللهِ فَلَمْ يَسْتَحْوِذِ الجَزَعُ عَلَيهِمْ.
" فالناس جميعا مبتلون فى هذه الحياة ـ سواء أكانوا أفرادا أو جماعات أو أمما ـ بشىء من الخوف والجوع ـ يختلف قلة وكثرة ـ وبنقص فى الأموال والأنفس والثمرات .. فليس أحد فى هذه الدنيا بمأمن أبدا من أن تنزل به هذه النوازل، متفرقة أو مجتمعة ..
والجزع فى هذه المواطن هو الذي يثقّل المصيبة، ويولّد منها مصائب، فيضاعف معها البلاء، ويعظم الألم، ويطبق اليأس، ويغلق كل باب للأمل والرجاء!.
أما الذي يلقى أحداث الحياة ومصائبها بالصبر، ويواجهها بالتسليم والرضا، عن يقين وإيمان بأن ما وقع إنما هو بقضاء الله وقدره ـ فإن ذلك يهوّن عليه من وقع المصائب وإن عظمت، ويمدّه بمعين عظيم من الصبر والاحتمال، ويفتح له بابا واسعا من الأمل