وعَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَتَى مَلَكُ الْمَوْتِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا لِيَقْبِضَ نَفْسَهُ فَلَطَمَهُ لَطْمَةً فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَفَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا صَنَعَ قَالَ: رَبِّ أَتَيْتُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَصَنَعَ هَذَا بِعَيْنِي قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ائْتِ عَبْدِي فَخَبِّرْهُ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ عَلَى جِلْدِ ثَوْرٍ فَمَا وَارَتْ يَدُهُ مِنْ شَعَرٍ فَهُوَ يَعِيشُ بِهَا سَنَةً ثُمَّ يَمُوتُ قَالَ مُوسَى: لَا بَلِ الْآَنَ يَا رَبِّ إِنْ كَانَ لَا بُدَّ، وَلَكِنْ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ قَالَ: فَدُفِنَ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَلَوْ أَنِّي كُنْتُ عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ قَبْرِهِ "

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَتِ الْأَئِمَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَوَضَعُوهُ فِي كُتُبِهِمْ وَصَحَّحُوهُ، وَعَدَّلُوا رِوَايَتَهُ، وَاسْتَفْظَعْهُ قَوْمٌ فَجَحَدُوهُ، وَأَنْكَرُوهُ فَرَدُّوهُ لِضِيقِ صُدُورِهِمْ، وَقُصُورِ عِلْمِهِمْ، وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْحَدِيثِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَدْخَلُوهُ فِي الصِّحَاحِ حَتَّى رَضَوْا إِسْنَادَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالرِّجَالِ، وَالْحَدِيثُ إِذَا صَحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْآَحَادِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ مِمَّا يُوجِبُ الْعَمَلَ لَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ لِشُهْرَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَعَدَالَةِ رُؤْيَتِهِ وَصِحَّةِ إِسْنَادِهِ، وَمِمَّا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ وَإِنْكَارُهُ وَدَفْعُهُ، فَإِنَّ فِي رَدِّهِ تَكْذِيبَ الْأَئِمَّةِ وَجَرْحَ عُدُولِ الْأَئِمَّةِ. وَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ: لِعُلَمَاءِ الْأَثَرِ فِي تَلَقِّي الْأَخْبَارِ الْمُشَابَهَةِ مَذْهَبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِيمَانَ بِهَا فَرْضٌ كَالْإِيمَانِ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآَنِ حِينَ يَقُولُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أَيْ: كُلٌّ مِنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَقَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْمُشَابَهَةِ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: فَمِثْلُهُ الْمُتَشَابِهُ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا حُجِبَ عَنَّا عِلْمُ تَأْوِيلِهِ آَمَنَّا وَصَدَّقْنَا بِمَا قَالَ، وَوَكَلْنَا عِلْمَ تَأْوِيلِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (?)

ــــــــــــــ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015