وإن وجود بعض الأوقات والمواقف التي كان فيها مظهر من مظاهر القوة لم يخرج المرحلة المكية عن كونها مرحلة استضعاف كلي.
ويمكن أن نمثل لهذا النوع بحال بني إسرائيل مع فرعون، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (?)، فقد جعل فرعون بني إسرائيل فرقًا وأصنافًا في الخدمة والتسخير، واستعبدهم وجعلهم في الأعمال القذرة والصعبة، وجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح فلا يكبر صغير، واستبقى النساء للاستذلال والخدمة (?)، ولقد امتن اللَّه عز وجل على بني إسرائيل بالنجاة من فرعون، وذكرهم بحالهم قبل النجاة مع موسى عليه السلام، فقال تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} (?).
ولقد مر المسلمون بمراحل متعددة وفي أماكن مختلفة، كانت أحوالهم فيها استضعافًا جزئيًا وامتد ذلك الاستضعاف حتى أصبح كليًا، ومن ذلك أحوال المسلمين بالأندلس فمنذ نهاية القرن الخامس الهجري نشأت الممالك النصرانية، وتوسعت مع سقوط بعض المدن الإسلامية، وسيادة روح حرب "الاسترداد" لدى الصليبيين، ومع مرور الأيام زاد عدد الرعايا المسلمين تحت حكم النصارى، وأطلق عليهم اسم "المدجنون" (?) أي: الذين