فدل هذا على جواز الموادعة مع الكفار ولو بدفع مال لهم عند الضعف، وأما عند القوة فلا تجوز؛ لأنه لما قالت الأنصار ما قالت، عَلِمَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم القوة فشق الصحيفة، ودل على أن دفع المال للكفار فيه معنى الاستذلال، ولأجله كرهت الأنصار دفع بعض الثمار، والاستذلال لا يجوز أن يرضى به المسلمون إلا عند تحقق الضرورة (?).
الدليل الثاني: أن في دفع المال للكفار في حال الاستضعاف وتحقق الضرورة دفعًا لشر الكفرة الحال، وفرصة للاستعداد لمواجهتهم في المستقبل، فيكون دفعًا لأعلى المفسدتين (?)، وفي هذا إعمال لقاعدة: "الضرر الأشدُ يُزال بالضرر الأخف" (?).
قال ابن العربي رحمه اللَّه (?): "قال علماؤنا: أوجب اللَّه سبحانه في هذه الآية (?) القتال؛ لاستنقاذ الأسرى من يد العدو مع ما في القتال من تلف النفس، فكان بذل المال في فدائهم أوجب، لكونه دون النفس وأهون منها" (?).