الهوى والغرض إلا لطلبه الحق، فما كان الإسلام، وكتابه المقدس يدعو إلى التأمل في آفاق السموات والأرض؛ ليضيق الخناق على أبنائه ويمنعهم من النظر والتأمل في هذا الكون وما فيه من آيات.

رابعًا: على أن رينان قد تناقض مع نفسه في موقفه من الفكر الإسلامي، فهو حين ينكر الفلسفة الإسلامية ويجحد أصالتها في كتابه تاريخ اللغات السامية يعود في كتابه عن ابن رشد ومذهبه، فيقرر أن هناك فلسفة إسلامية مستقلة يجب أن نتلمسها في مظانها الخاصة بها، وأن العرب قد عرفوا كيف يخلقون لأنفسهم فلسفة ملأى بالعناصر الخاصة بهم، وإن الحركة الفلسفية الحقيقية في الإسلام ينبغي أن تتلمس في مذاهب المتكلمين، وهذا الموقف المضطرب إن دلَّ على شيء؛ فإنما يدل على أن أحكام رينان على الفلسفة الإسلامية ليست مؤسسة على النظرة العلمية النزيهة، ولا على معرفة تامة بالفلسفة الإسلامية وتراثها.

خامسا: وأما اتهام رينان وديبور للتفكير العربي بأنه يهتم بالجزئيات المتباعدة فذلك شيء ينبغي أن يحمد للعرب كما قال بذلك أستاذنا المرحوم محمود قاسم؛ لأن المنهج العلمي الحديث يقوم أساسًا على خطوات محددة، وأول هذه الخطوات هي ما يسمى بمرحلة البحث، وفيها يقوم الباحث بجمع الملاحظات والتجارب في العلوم الطبيعية والإنسانية على سواء، وجمع الملاحظات ليس إلا ملاحظة الأشياء الجزئية المتباعدة، ثم يحاول الباحث أن يربط بين هذه الملاحظات الفردية بما يتخيله من علاقات ومناسبات تجمع بين المتباعد منها، وبهذا وحده يمكن للباحث أن يفسر الظواهر والوقائع التجريبية، فكيف يعد ذلك اتهاما وهو ركيزة من ركائز العلم التجريبي في القرن العشرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015